قراءة في تقرير هيئة النزاهة ومكافحة الفساد


يشكل تقرير هيئة النزاهة ومكافحة الفساد من كل عام، فرصة للباحثين والمختصين للوقوف على واقع الفساد في الاردن من خلال تحديد أنماطه وأشكاله وتقدير حجمه وذلك عن طريق رصد نوعية وحجم القضايا التي تتعامل معها الهيئة وتحيلها للقضاء! يظهر التقرير السنوي للهيئة لعام 2019 إنخفاض عدد الشكوى وإلإخبارات الواردة للهيئة بمقدار 8% مقارنة بعام 2018، بينما إرتفع في عام 2019 عدد الملفات التحقيقية التي أحالتها الهيئة الى الإدعاء العام بمقدار 19%، لنفس الفترة. أما بالنسبة لطلبات حماية للشهود والمخبرين فقد زادت نسب طلبات الحماية عن عام 2018 بمقدار 35% تقريباً.
هذه النسب لها دلالات يجب التوقف عندها في تحليل ظاهرة الفساد في الاردن. فعلى الرغم من الانخفاض المحدود بنسبة الشكاوي والاخبارات المقدمه للهيئة (وهي عادة ما تكون إخبارات أو معلومات غير دقيقة) فإن هذا الانخفاض قد يشير الى دلالتين: أولاً، أن مقدم الشكوى أو الاخبار بدأ يعي أهمية التحقق من المعلومات التي تقدم للأجهزة الرقابية، فتقديم المعلومات أو الاخبارات التي لا أساس لها من الصحة سيساهم بإضاعة جهود الهيئة دون جدوى أو سيعرض مقدمها لعقوبة تقديم إخبار كاذب أو كيدي!
ثاني هذه الدلالات، قد يعكس انخفاض الشكاوى والاخبارات الواردة للهيئة الى تراجع ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة وخاصة أجهزتها الرقابية! لكن هذا الانطباع، قد لا يبدو دقيقاً اذا ما قارنا نسب القضايا في عام 2019 التي أحالها مجلس الهيئة الى الادعاء العام مقارنة بعام 2018، حيث زادت نسبة القضايا المحالة بمقدار 19%. بما يشير الى حجم العمل وجدية الجهود المبذولة لمكافحة الفساد. ما يعزز هذا الرقم أيضاً، الزيادة الواضحة بنسب طلبات الحماية للشهود والمخبرين بمقدار 35%، مما يشير صراحة بأن ثقة كل من يملك الأدلة والقرائن لأي فعل فساد قد زادت فيما يتعلق بتقديمها للجهة ذات الاختصاص شريطة تقديم الحماية له.
لو أخذنا أبرز القضايا التي أحالتها وحدة العمليات (أو لاتزال قيد التحقيق) للإدعاء العام في الهيئة، بهدف معرفة أشكال وأنماط الفساد التي تعاملت معها الهيئة خلال العام 2019، سنجد بأن التجازات المالية والادارية قد احتلت أعلى نسبة بمقدار 37% من مجمل القضايا، ومن ثم التزوير بنسبة 16%، الرشوة 12%، استثمار الوظيفة 11%.
أما بالنسبة للمؤسسات التي احتلت أعلى ترتيب بشبهات الفساد، فقد أشار التقرير صراحة الى أن وزارة الادراة المحلية وأمانة عمان الكبرى احتلت الترتيب الأول، تلتها وزارة الاشغال العامة والاسكان ثم وزارت الصحة والعمل والنقل! بناء على هذه النتائج على الأجهزة الرقابية دراسة أنظمة تلك المؤسسات المالية والادراية والتشريعية بصورة قطاعية (قطاع البلديات، قطاع المشتريات والعطاءات الحكوية، قطاع الصحة الخ) للوقوف على مكامن الخلل ومنافذ الفساد، وتفعيل منظومة النزاهة الوطنية التي جاءت لتكريس مبادىء الشفافية والمساءلة وتعزيز سيادة القانون وبالتالي الوقاية من الفساد.
يوصي التقرير بنهايته بمجموعة توصيات (32 توصية وتعديل 4 تشريعات) تتعلق بآليات تعزيز النزاهة وتحسين كفاءة مكافحة الفساد، حيث تضاف هذه التوصيات الى توصيات تقارير الأعوام السابقة، متمنياً من الهيئة أن يتم تجميعها بمصفوفة واحدة لرصد ومتابعة ما تم إنجازه منها وما زال عالق!



د.رعد محمود التل
الجامعة الأردنية 
قسم الاقتصاد

 


كيف تقيم محتوى الصفحة؟