مكافحة الفساد سيف على رقاب الفاسدين … (16) عامًا من الدعم الملكي المطلق

بترا - منذ أن ولجت حربها ضد الفساد، سعت هيئة النَّزاهة ومكافحة الفساد على امتداد 16 عامًا من المثابرة والحيوية، أن تكون علامة فارقة في عهد جلالة الملك عبد الله الثَّاني.واستطاعت الهيئة بإسناد ملكي أن تستعيد مئات الملايين من الدنانير من قبضة الفساد، وحوَّلت كثيرين إلى المحاكم، وقدَّمت الحماية لـ 99 شخصًا أبلغوا عن الفساد ومرتكبيه.
ولم تتوقف الهيئة في عملها الاستثنائي المتفرِّد في مواجهة آفة الفساد لتستقبل 23 ألف شكوى ومعلومة خلال 10 سنوات حول فساد ومفسدين لم تهمل أيًّا منها، واستمرت في تطوير أدواتها وتقنياتها، فاشتبكت مع كل القضايا التي تتعلق بالمال العام، والفساد المالي والإداري، ووصلت إلى مواجهة الفساد الانطباعي، وقدَّمت مؤشرًا وطنيًا هو الأول من نوعه على المستوى الإقليمي لقياس التزام المؤسسات الرَّسمية بمعايير النَّزاهة ومواجهة الفساد.
خلال 5 سنوات من رئاسته لمجلس هيئة النَّزاهة ومكافحة الفساد الدكتور مهند حجازي يروي لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، قصَّة العمل الكبير والمتطور الذي يدور في أروقة الهيئة في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني، ويشير إلى أنَّه وخلال هذه السنوات كان يلتقي جلالة الملك باستمرار، وكان جلالته يُصر على ان تُذلَّل كل العقبات والتحديات التي قد تواجه عمل الهيئة، ويشير إلى أنَّه يدعم كل إجراء تقوم به وفق ما منحه إياها القانون.
ويضيف أنَّ الإرادة السياسية للأردن بقيادة جلالة الملك وخلال السنوات الماضية في الحرب ضدَّ الفساد وكسر ظهره ومنعه من الاستمرار في الانتشار، مكَّنت الهيئة من خلال التعديلات التي أصابت قانونها من الوصول إلى تطور كبير أبرزه أنَّ الانسجام والتوافق بين قرارات الهيئة في قضايا الفساد والسلطة القضائية وصل إلى ما نسبته 83 بالمئة وهذا لم يكن لولا تطور الأدوات ودعم الهيئة بكل السبل.
ولفت إلى أنَّ الهيئة استقبلت خلال العشرية الأخيرة 23 ألف شكوى ومعلومة عن شبهات فساد ولم يتم إهمال أيِّ واحدة منها وبمعدل 2300 شكوى في العام الواحد، تمَّ التَّحقق والتَّدقيق في كل معلومة وتتبعها بالطرق التي تعمل بها الهيئة وهذا الكم من المعلومات جاء بعد أن وفرت الهيئة كل سبل التواصل والأمان للمبلغين عن الفساد أو ما يقع في الشبهات.
وأكد أنَّ الهيئة وطيلة السنوات الماضية كانت تتعلم الدروس وتوفر الإمكانات لتضييق الخناق على الفساد، ووفرت الحماية القانونية لـ 99 مبلغًا ومخبرًا وشاهدًا في قضايا الفساد وهذا لم يكن لولا وجود نص تشريعي خلَّاق يؤدي إلى أثر كبير في المواجهة المستمرة مع الفساد.
وأكد أنَّ الهيئة وبدعم ملكي مباشر وتعاون الحكومات المتعاقبة استطاعت أن ترتبط بشكل مباشر مع 37 مؤسسة حكومية ودائرة، لسهولة الحصول على المعلومات وسرعتها من أصل مئة لم تستكمل بعد إجراءاتها التقنية، وقامت بزيارات ميدانية مباشرة لمؤسسات القطاع العام، وقدَّمت مؤشر النَّزاهة الوطني الذي يقيس مدى الالتزام بمعايير النزاهة ومواجهة الفساد، وكل ذلك لم يكن عشوائيًا بل وفق استراتيجية مستمرة منذ بدء تأسيسها.
وأكد أنَّ الهيئة استطاعت خلال السنوات الـ 16 الماضية من التحرك في كل الاتجاهات تعقباً للفساد ومرتكبيه والوقاية منه بالتوعية بمخاطره، فاستخدمت كل الوسائل التكنولوجية للوصول إلى المعلومات وتدقيقها والبحث فيها والسَّعي لإثباتها حيث تنوعت جرائم الفساد التي تعاملت معها الهيئة بين التَّزوير والرِّشوة والاختلاس واستثمار الوظيفة العامة والاحتيال وهدر المال العام.

وبين أنَّ عمل الهيئة هو البداية في مواجهة الفساد، حيث يتم التَّعامل مع الملفات الواردة بدقة والتحقيق فيها، منها ما يتم إنهاؤه وفق القانون في الهيئة ودوائرها المختصة إما بالحفظ أو المصالحة، وبعضها يُكمل طريقه وفق القانون إلى السلطة القضائية، وتستمر الهيئة في متابعة نتائج هذه الملفات حتى صدور القرارات القطعية فيها من المحاكم.
ولفت إلى أنَّ الإجراءات الوقائية التي تقوم بها الهيئة في مكافحة الفساد والتي من بينها التَّوعية ومؤشر النَّزاهة الوطني، إضافة إلى الإجراءات الجزائية والعقابية والأحكام الصادرة عن القضاء تسبَّبت في انخفاض قضايا الفساد إلى 55 بالمئة، وهذا يؤشر إلى تحقق الرَّدع العام والخاص.
وقال إنَّ الفساد الانطباعي غير المستند إلى دليل ومعلومة هو السَّائد اليوم والعمل يجري لتجفيف كل منابع الفساد الواقعي لأنَّ هذا الذي يترك الأثر المدمر على المجتمع والاقتصاد وتعطل مصالح الدولة والنَّاس.
وتنتهج الهيئة، حسب حجازي، أسلوبًا استباقيًا وعلاجيًا في مكافحة الفساد من خلال بنائها الاستراتيجي ووحداتها التنظيمية استجابة للتطور الحاصل على عالم الفساد وجرائمه، وكذلك من خلال تطوير قانون النزاهة ومكافحة الفساد وشموله لجرائم جديدة كالاتجار بالنفوذ وجريمة غسل الأموال.
وبين أنَّ هذه المنطلقات تعمل عبر ثلاثة اتجاهات مختلفة الأدوات إلا أنها تصب بنفس النتيجة من حيث المخرجات بهدف منع ومحاصرة الفساد قبل ارتكابه أو وقوعه وسد الثغرات ومعالجتها، الأول يتم من خلال مراقبة مدى امتثال مختلف الوزارات والدوائر الحكومية لمعايير النزاهة الوطنية وإصدار التوصيات اللازمة لها ومتابعة تنفيذ تلك التوصيات، أمّا القطاع الخاص فيتم التنسيق مع الجهات ذات الصلة بهذا القطاع لتفعيل ووضع وتطبيق معايير الحوكمة الرشيدة.
وأضاف أنَّ الاتجاه الثاني يتم من خلال تنفيذ دراسات المخاطر ومخاطر الفساد تحديدًا ومعالجتها، إذ تم استحداث قسم خاص بهذا الشأن منتصف عام 2020 رغم أن دراسات المخاطر كانت تتم منذ عام 2019 ولكن بشكل محدود فقد تم إجراء 11 دراسة خلال السنوات الثلاث الأخيرة أصدرت الهيئة بموجبها 126 توصية.
وأشار إلى أنَّ الاتجاه الثَّالث يتمثل بإثارة الانتباه والاهتمام لمختلف شرائح المجتمع والفاعلين على المستوى الوطني بآثار الفساد و/أو آثار جرائم الفساد خصوصًا الأكثر خطورة منها مثل جريمة الواسطة والمحسوبية والرشوة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأخلاقي والسياسي ودفع المجتمع إلى رفضها ومحاربتها وذلك بإعداد المحاضرات وتنظيم اللقاءات والورش ونشر الرسائل عبر مختلف الوسائل المتاحة حيث تمّ اعتماد ما يقارب 150 رسالة توعوية وكذلك اعتماد مادة موحدة للتوعية وهو أمر تقوم به وحدة الإعلام والاتصال والعلاقات العامة.
وقال إنَّ مؤشر النزاهة الوطني الذي أطلقته الهيئة عام 2022 كان إنجازًا متميّزًا كأداة لقياس مستوى امتثال مؤسسات الإدارة العامة لمعايير النزاهة الوطنية المتمثلة بسيادة القانون، والشفافية، والمساءلة والمحاسبة، والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والحوكمة الرشيدة وفق منهجية علمية متكاملة وذلك لخلق بيئة نزيهة مناهضة للفساد على المستوى الوطني.
وأضاف أنَّ إطلاق هذا المؤشر تزامن ورؤية التحديث الاقتصادي وخارطة تحديث القطاع العام رؤية 2030 والمتضمنة محورا خاصا بالحوكمة الذي انصبت بنوده في ذات سياق متطلبات مؤشر النزاهة الوطني، مما يؤكد نجاح وتكاملية فكر الهيئة الاستباقي ونهج التطوير والإصلاح العام.


وأكد أنَّ الهيئة لم تُغفل دور الشباب واستثمار التكنولوجيا في التوعية النوعية، فأنشأت مركز الابتكار والتدريب عام 2020، وأسندت إليه مهمة إعداد خطط تدريبية سنوية تتضمن برامج نوعية متخصصة تُنفذ بالتعاون مع شركاء الهيئة الاستراتيجيين بهدف إذكاء الوعي بمفاهيم النزاهة ومكافحة الفساد لموظفي القطاع العام والخاص والمهتمين من منظمات المجتمع المدني وكذلك احتضان المبادرات والأفكار الإبداعية والتطويرية من خلال توفير نافذة إلكترونية ضمن موقعها الإلكتروني لاستقبال هذه الأفكار من جميع شرائح المجتمع وعلى وجه الخصوص فئة الشباب وإدماجهم في السياسات الوطنية الرامية إلى القضاء على الفساد عبر تشجيعهم وتحفيزهم لتقديم مبادرات مبتكرة باستخدام وسائل التواصل الحديثة.
وأضاف أن الهيئة أطلقت هاكاثون وهو (سباق استكشافي) للنزاهة ومكافحة الفساد خلال فعالية اليوم الدولي لمكافحة الفساد بالشراكة مع وزارة الاقتصاد الرقمي وصندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية، لتحفيز الشباب على التنافس في تصميم لعبة الكترونية تُحاكي معايير النزاهة الوطنية بطريقة يتم فيها إدماج رسائل الهيئة بخصوص أفعال الفساد ومعايير النزاهة وحماية المبلغين والشهود ومكافحة غسل الأموال وبطريقة تحاكي جيل الشباب لتوحيد اللغة بين المبرمجين والمستخدمين وهذا ما تمّ فعلًا حيث أُحتفل في العقبة في السابع والعشرين من شهر نيسان بتوزيع الجوائز على الفرق الفائزة بمسابقة الهاكاثون حيث فاز الفريق الأول بجائزة مقدارها خمسة آلاف دينار والفريق الثاني بجائزة مقدارها ثلاثة آلاف دينار والفريق الثالث بجائزة مقدارها ألف دينار.

 

بترا
 


كيف تقيم محتوى الصفحة؟