كيف يعرقل الفساد عجلة الاقتصاد؟

د.رعد محمود التل 
تشير أغلب الدراسات إلى أن الفساد يساهم مساهمة كبيرة في إبطاء وتراجع معدلات النمو الاقتصادي من خلال قنوات عدة، فالفساد يقلل من تراكم مخزون راس المال الذي يشكل العامل الرئيسي في عملية الانتاج عن طريق انخفاض التدفقات الاستثمارية مثلاً، حيث تشكل كلفة الفساد (من دفع الرشاوى على سبيل المثال) تكلفة إضافية تزيد من كلف الاستثمار وتقلل من مردوده، هذا یعني أن المستثمر ینظر إلى الفساد كنوع من الضریبة الإضافیة على أرباحه التي تضاعف من مخاطر الاستثمار مما یؤدي في النهایة إلى تقلیل حجم الاستثمار المرغوب فیه. كما يعمل الفساد على تشويه هیكل الإنفاق الحكومي، فقد یلجأ المسؤولون الحكوميون الفاسدون إلى توجیه الموارد والإنفاق الحكومي نحو نشاطات غیر منتجة وبكلفة اقتصادية أعلى وأولوية أقل، ولكنها تسهل علیهم الحصول على مكاسب أكبر، بدلاً من توجیها نحو النشاطات الإنتاجیة المفیدة. وعليه يؤثر الفساد على الكفاءة الاقتصادية التي تضمن الاستخدام الأمثل والكفؤ للموارد الاقتصادية، عن طريق تبديد وإهدار تلك الموارد من خلال سوء استخدامها وتشغيلها. بالنسبة لأثر الفساد على الدول النامية، فمعظم الدراسات تشير إلى أن تأثيره على اقتصاديات الدول النامية أكبر منه على الدول المتقدمة، نظراً لتمتع الدول المتقدمة بمنظومة تشريعية ومؤسسية تعزز الجانب الوقائي من الفساد وتقلل من فرص وقوعه. كما أن الفساد يبدو أكثر عمقاً في الدول النامية لأنه يزيد من نسب الفقر والبطالة المرتفعة أصلاً في تلك الدول. بالنظر إلى آخر مسوحات لمنظمة الشفافية الدولية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، سنجد أن هناك شخصاً من بين 3 أشخاص قد دفع رشوة (أي ما يقارب 140 مليون مواطن عربي). 
حتى تتمكن الدول كافة من تقليل كلف الفساد وبالذات اقتصادياً، عليها ابتداءً تحديد أشكال أو أنماط الفساد المنتشر في مجتمعاتها ومن ثم تقدير حجم الأثر المترتب لكل شكل من هذه الأشكال على المتغيرات الاقتصادية الكلية مثل: معدلات النمو الاقتصادية، نصيب الفرد من الناتج المحلي، حجم الاستثمارات وغيرما من المتغيرات. فعلى سبيل المثال في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا تشير إحدى الدراسات التطبيقية أن خفض «استغلال الوظيفة العامة لغايات المصلحة الخاصة» بمقدار 1) %مقاساً بمؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية)، سيعمل على زيادة حصة الفرد من الناتج المحلي بمقدار 84.2 نقطة بالمئة. هذه النسبة تعادل زيادة مقدارها 87 دينارا أردنيا تقريباً من حصة الفرد من الناتج المحلي في الأردن! كما تظهر الدراسة أن انخفاض «قيمة الرشاوى في القطاع العام» بمقدار 1) %مقاس أيضاً بمؤشر مدركات الفساد) سيعمل على زيادة حصة الفرد من الناتج الإجمالي بمقدار 48.1 نقطة بالمئة، أي ما يعادل زيادة مقادرها 45 ديناراً أردنياً تقريباً لحصة الفرد الأردني من الناتج المحلي. إن الحديث عن الآثار الاقتصادية لظاهرة الفساد بشكل عام سيبقى حديثاً عاماً إذا لم نتمكن من تحديد أشكال وأنماط الفساد المنتشرة في المجتمع وأثرها على المتغيرات الاقتصادية الاساسية، كل ذلك سيؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار الاقتصادي المصحوبة باختلالات هيكلية في الاقتصاد سترفع من الكلف الاجتماعیة وستزيد من نسب الفقر والبطالة وحالة عدم العدالة بتوزیع الدخول!

 


كيف تقيم محتوى الصفحة؟